أولا الصوت
الى متى سيظل التمثيل مهنة من لا مهنة له ومتى يصحو ضمير القائمين على الانتاج الفني في مصر فيراجعون انفسهم فيما فعلوه ويفعلوه في الشاشة المصرية من بث وجوه من ممثلين و ممثلات لا يعرفون شيئاً عن التمثيل إلا تسطيح الاداء وخروج الكلمات من على أطراف الشفايف دون أي ابعاد ومعانى مما تحمله النفس الانسانية في طياتها الداخلية من احلام وطموح او احباطات او رغبات محمومة ....... الخ وما الى ذلك من بصمات انسانية نستطيع قرأتها يومياً في وجوه كل ممن يحيطون بنا .
ان الممثل هو ذلك الوسيط الحى الذى ينقل الكلمات والاحرف المكتوبة من الحبر على الورق الى نبض حي يملئ السمع والبصر بالحياة , فيجعلنا نرى الحياة بطولها وعرضها ملخصة بين بداية ونهاية العمل الفني سواء أكان فيلم او مسلسل .
اما ما نراه اليوم على الشاشة هو اشباه بشر هم ظلال باهته بالكاد نتعرف عليهم , فالممثلون يتلون الكلمات المحفوظة ويضعون عليها بضعة الوان انفعالية مكررة ممجوجه لأنه قد تعلم كيف يلقيها ليس من مدرسة الحياة ومن الشخصيات النابضة فيها ولكن ممن يمثلون معه او من مشاهدات اعمال فنيه , اخرى فهل هذا يعقل؟؟؟ .
قد يرد البعض محاولاً تجميل الواقع بانه قد أخذ كورس تمثيل الا ان مثل هذه الكورسات الوهمية التي قد يلجاً اليها البعض قبل بدء العمل بشهر او شهرين لا تسمن ولا تغنى من جوع فهو شراء للوهم . اذا كنا نستطيع ان ندرب شاب عادى خلال عشر او عشرين لقاء تدريبي ليصبح بطل عالمي ,او حتى محلى, او على الحى الذى يعيش فيه, او على النادي المشترك فيه في احد الرياضيات لو نجحنا في تحقيق ذلك , في هذه الحالة فقط يمكننا ان نقبل فكرة ان يحدث هذا عند تعلمه فن التمثيل .
وبما انه لا يمكن ان يحدث ذلك مع الرياضة لان تدريب العضلة يحتاج الى وقت وزمن وتراكم خبرات مما يجعل الاتقان والحرفة والنضوج نتيجة طبيعية للصمود والاصرار على رفع المستوى والوصول للهدف .
فما بالنا اذا كنا نتكلم عن تربية جهاز عقلي قادر على التحليل والنقد والاستنتاج والتحليل والربط بين العناصر وجهاز انفعالي متمكن من اظهار كافه الالوان الانفعالية بدرجاتها بالإضافة الى جهاز صوتي متدرب وجسد قادر على ترجمه كل ذلك بصرياً.
وبعد كل ما تقدم هل يعقل ان نصدق من يدعون انهم تعلموا التمثيل داخل ورشه فنية قد حققوا الهدف المنشود ام انهم قد اخذوا فكرة عن هذا الفن اذا ما صادفهم الحظ و التحقوا بأحد الورشة الجادة .
لهذا اتوجه الى اصحاب القرار في اختيار الشباب ابطال الاعمال الفنية ارحموا الفن المصري من هذه الخيانة المقصودة التي تماثل القتل العمد لكل تاريخ الفن المصري ولنأخذ مثال للأخطاء الشائعة والتي تعد كالغناء النشاز أي إنها تفسد الذوق العام فمنها:-
أولا الصوت :
عند التأمل في اداء العديد ممن يسند لهم أدوار أساسيه في المسلسلات التليفزيونية سنجد أخطاء يصعب معها الاستمرار في المشاهدة, منها عدم تغير الطابق الصوتي في الأداء حيث يشعر المتلقي بالملل الشديد او عدم فهم المعنى مع انهيار الفوارق بين التعبيرات الانفعالية و المشاعر المختلفة فيما بينها فهناك فرق كبير بين التحدث بصوت عالي مع الأم عن مع الأخت أو الزوجة أو حول قضية حياه أو موت أو حتى الخلاف عن قضيه يوميه
للأسف لقد اختلطت كل المعايير فلا نرى سوى شخصيات تصرخ دون مبرر حقيقي لدرجه و شدة الصوت المختار للموقف الدرامي حيث لا اختيارات فهو طابق صوتي وحيد و لا توجد إمكانيات أخرى يمكن استخدامها وهذا هو الفرق الجوهري بين الممثل المدرب و أخر يمارس دون ادنى معرفه حقيقيه للأدوات التي يستخدمها فلقد جاءتني إحدى الممثلات المبتدئات تعانى من وجهة نظرها بمشكله في استخدام صوتها وقد نصحها البعض أن تطور مخارج الحروف ولكن في حقيقة الأمر كانت مشكلتها تكمن في تعلم كيف تتنفس بشكل صحيح حتى يكون لديها مخزون من الهواء تعتمد عليه في إخراج الجمل الحوارية بالإيقاع و الانفعال المطلوب وليس على حسب قدراتها المتواضعة في استخدام الهواء بل كان يجب عليها ان تتعلم كيف تحسن استخدامه فتعزف عليه انغام متعددة .
وكانت المفاجاءه أنها لم تكن تدرك و لم تتعلم في الورشة الفنية التي درست فيها ان هناك ما يسمى بالتنفس الصحيح . وهناك العديد والعديد من الأمثال الحيه عن مدى القصور في إدراك مدى أهمية التدريب المستمر بالنسبة للممثل فى هذا المجال . فالصوت البشرى ينتقل عن طريق الهواء كالتالي:-
1- التنفس الصحيح يكون عن طريق دخول الهواء من الأنف إلى البطن و علينا أن نتحكم في إخراجه عن طريق الفم بالقدر و الكميه المناسبة لاستخدامنا و بالتالي نتمكن من النطق بجمل حواريه طويله أو قصيره متتابعة .
2- المخارج الصحيحة للحروف. حيث نجد البعض يخرج الهواء من الأنف اثناء الكلام مما يؤدى إلى تشويه الحروف المنطوقة وهو المعروف بالخنف, فنجد من الأخطاء الشائعة حالات الإقلاب للحروف التي تتحول لحروف اخرى تشوه الكلمات فمثلا كلمة امتحان نجدها إنتحان , لذلك نجد أن التعرف على جهاز النطق و على الأماكن الصحيحة لخروج كل حرف جزء أساسي من تعلم حرفة الممثل لأن كل طبقه اجتماعيه أو اقتصادية أو ثقافيه لها أسلوبها الخاص بلكنة النطق فإذا ما تمرس الممثل على ذلك تمكن من تنوع الشخصيات الدرامية التي يقدمها.
و بما أن ذلك اصبح ضرب من الأحلام في ظل غزو الشباب المتعجل و الغير مدرب للسوق الفني فإننا نرى العجب من موت للشخصية الدرامية على يد الملامح الذاتية لإسلوب نطق المبتدئ للحوار, حيث ظهرت مجموعه من الشابات ممن يخفن من فتح الفم أثناء الكلام والاكتفاء بالنطق الرقيق وإذا بهن يقدمن شخصيات من حي شعبي فتكون النتيجة مثيره للضحك عليهن و للبكاء على الواقع الفني الأليم.
3- الطبقات الصوتية المتعددة ,أمر ضروري للتعبير عن الألوان الانفعالية فالحب و الغزل يختلف عن الحزم و القطع و عنه التهديد و الوعيد بالرغم من أن كل هذا يتشارك في استخدام طبقه منخفضه ولكن أي منها ؟ فالسلم الموسيقى هو سبع درجات و لكن يعاد و يكرر حسب الطبقات و لذلك التعلم نعمه كبيره لا يدركها الجاهل المصر على إلغاء تراث إنساني كبير فتحت من أجله أكاديميات و جامعات في شتى أركان الأرض.
4- الوقف و قواعده لإبراز المعنى, فهكذا تعلمنا أن خير الوقف ما حتمه المعنى و فيما عدا ذلك هي قواعد يمكن عدم الالتزام بها حسب متطلبات الموقف و طبيعة الشخصية الدرامية , فمثلا بعد القول و المنادى و القسم و للتشويق و قد يكون و قف للتنفس ولكل ما سبق لا داعى أن تكون الشاشة المصرية هي قاعة التدريب بالنسبة لبعض المنتجين لمن يتوسمون في بعض الشباب أنهم نجوم للمستقبل فالذوق العام امانه وهم يفسدونه بتلوث سمعي و بصرى و انفعالي فما عدنا نرى إلا صراخ و تمثيل عصبي بسبب أو بدون سبب.
ومعظم الاخطاء الشائعة تكمن في استنشاق كمية غير كافية من الهواء في الرئتين وليس لديهم سيطرة كافية على خروج الهواء اثناء الكلام لأنهم لا يعرفون كيفية التنفس فانهم يقومون بهذه العلمية البسيطة بطريقة خاطئة حيث يخرجون جزء اكبر من الهواء على نصف الجملة الاول فلا يبقى سوى القليل لباقي الجملة الثاني مما يجعلنا بالكاد نسمعها وقد يكون ذلك هو الجزء الهام من الجملة مما يؤدى إلى ضياع المعنى.
وفى بعض الاحيان الاخرى نجدهم يشدون على الاحبال الصوتية فيتوتر الحلق مما يعوق الكلام بدلاً من خروجه .
وفى الاغلب الأعم يتم استخدام الجزء الاعلى من الرئتين في حين ان المطلوب هو استخدام الحجاب الحاجز وكامل الرئتين عن طريقة استخدام عضلات البطن .
فعند الشهيق ينبسط الحجاب الحاجز فيسمح للرئتين بالتمدد و الامتلاء بالهواء .
- فالنطق غير السليم يأتي نتيجة حركة الشفة واللسان بشكل غير صحيح به اهمال وكسل في استخدام الفك والشفتين كما ان التوتر يتسبب في النطق الخاطئ .
لا يمكن للإنسان أن يتعلم أي شيء مالم تتملكه رغبه حقيقيه تحفزه ليل نهار سعيا وراء أحلامه و رغباته و هواجسه وهكذا تشتعل بداخله نيران المعرفة البناءة و هكذا يتحول طالب العلم إلى إسفنجة تمتص كل ما تقابله من معلومات يعيد التفكير فيها في ظل خبراته و معلوماته السابقة.
و عندما أدافع عن ضرورة إيقاف مسلسل الاستهانة بمهنة التمثيل لا يعنى ذلك أننى اجعله فقط حكرا على دارسي هذا الفن في الأكاديمية أو الكليات المتخصصة ولكن لكل من يعطيه حقه من التدريب المستمر و العمل على التعلم و خوض التجارب المتنوعة .
فمنذ كنت طالبه في المعهد أدركت أن في قاعات الدرس نأخذ المفاتيح العلمية للمهنة و نتعلم اقصر الطرق لتحقيق الأهداف . و لكن هذا لا يكفى و لن نتعلم شيء دون الشق التطبيقي دون أن نمارس ونخطئ و نصيب ونحلل و نستنتج و بالمشاركة في كافة الأنشطة المتاحة من مهرجانات أو مساعدات لمشاريع الأخرين وهكذا يبدئ الممثل في النضوج , فالتمثيل كأي مهنه عمليه يجب ممارستها لتعلمها.